Search
Close this search box.

الميزان في فروع الدين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الميزان في  فروع الدين   قائم على ركيزتين :

 

الأولى : الدليل الصحيح . قال المرداوي – رحمه الله – في :  ((التحبير شرح التحرير))  ( 1/197 ) : ” الدليل عند علماء الشريعة : ( ما يُمْكن التوَصُّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ) عند أصحابنا وغيرهم ، منهم أكثر الفقهاء والأصوليين ” ا.هـ .

والأدلة منها ماهو مُتّفَق عليه ، ومنها ما هو مُخْتَلف فيه ، قـال المرداوي – رحمه الله – في:((التحبير شرح التحرير)) ( 3/1229-123):
” أدلة الفقه : والمتفق عليه في الجملة أربعة : الكتاب والسنة – وهذا بلا نزاع – ، والإجماع  والقياس . والمراد : اتفاق الأئمة الأربعة ، ومَن نَحَا نحوهم ، ولا اعتبار بخلاف من لا يُعْتدّ بقوله ” . ثم قال : ” قوله : ( ويأتي غيرها ) أي : غير هذه الأربعة ، وهي الأصول التي اشْتَهَر الخلاف فيها : كالاستصحاب ، وشرع من قبلنا ، والاستقراء، ومذهب الصحابي ، والاستحسان ، ونحوه ” ا.هـ .

إلا أن مرجع الأدلة الشرعية إلى الكتاب والسنة لا غير . يقول التقي ابن تيمية – رحمه الله – كما في :  ((مجموع الفتاوى))  
( 27/396 ) -: ” وأما القول بأن هذا الفعل : مستحب أو منهي عنه أو مباح – فلا يثبت إلا بدليل شرعي . فالوجوب والندب والإباحة والاستحباب والكراهة والتحريم لا يثبت شيء منها إلا بالأدلة الشرعية ، والأدلة الشرعية مرجعها كلها إليه صلوات ربي وسلامه عليه . فالقرآن هو الذي بَلَّغه . والسنة هو الذي عَلَّمها . والإجماع بقوله عُرِف أنه معصوم ” انتهى المراد .

والثانية : أن تكون الصيّرورة إلى قولٍ محفوظ عُمِل به ، ليس شاذاً
ولا مهجوراً ؛ لأن من الأدلة السَمْعيَّة ما لم يُعْمَل به  
كالشِّق الثاني لحديث سَمُرة المُخرَّج عند أبي داود برقم (4515) ، والترمذي برقم ( 1414) والنسائي (8/20) ، وابن ماجه برقم (2663) ، وأحمد  (5/10) وفيه قال صلى الله عليه وسلم : (( من قتل عبده قتلناه ، ومن جَدَعَه جدعناه )) ، حيث قال الحافظ ابن رجب يرحمه الله في “جامع العلوم والحكم ”
 (1/319) : ” وقد أجمعوا على أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار في الأطراف ، وهذا يدل على أن هذا الحديث مطَّرح لا يُعْمل به ” ا.هـ .

 وإلى ذلك أشار الحافظ محمد الطبّاع المالكي – كما في : ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي رحمه الله – بقوله: ” كلُّ حديث جاءك عن النبي  r لم يبْلُغْك أن أحداً من أصحابه فعله : فَدَعْه ” . والذهبي – رحمه الله – في : ((سير أعلام النبلاء)) ( 16/404 ) بقوله : ” أما من أخَذَ بحديث صحيح ، وقد تَنَكبه سائر أئمة الاجتهاد : فلا ” ا.هـ. والحافظ ابن رجب – رحمه الله – في : ((فضل علم السلف على الخلف)) (ص9)  بقوله: ” أما الأئمة وفقهاء أهل الحديث : فإنهم يَتَّبِعون الحديث الصحيح حيث كان ، إذا كان معمولاً به عند الصحابة ومن بعدهم ، أو عند طائفة منهم . فأما ما اتُّفِق على تَرْكِه : فلا يجوز العمل به ؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعمـل به ، قال عمر بن عبدالعزيز : ( خذوا من الرأي ما كان يوافق من كان قبلكم ، فإنهم كانوا أعلم منكم ) ” ا.هـ . ثم قال (ص13) :
” وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم – يعني : الأئمة – ، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم، وهو أشد مخالفـة لها – يعني : السنة – ؛ لشذوذه عن الأئمة ، وانفراده عنهم : بفهم يفهمه أو بأَخْذِ ما لم يأخذ به الأئمة من
قبله ” . ا.هـ .

وذلك الميزان في (الفروع) مشهور تقريره ؛ لذا علّق الذهبي – رحمه
الله – في : ((سير أعلام النبلاء))  ( 18/191 ) – في ترجمة ابن حزم الظاهري -على قوله 🙁 أنا أتبع الحق ، وأجتهد ، ولا أتقيَّد بمذهب ) بقوله: ” قلت : نعم ، من بَلَغ رتبة الاجتهاد ، وشهد له بذلك عِدّة من الأئمة : لم يَسَعْ له أن يُقَلِّد ، كما أن الفقيه المبتديء العاميّ ، الذي يحفظ القرآن أو كثيراً منه : لا يسوغ له الاجتهاد أبداً . فكيف يجتهد ؟ وما الذي يقول ؟ وعلام يَبْني ؟ وكيف يَطِيْر ولمَّا يُريِّش ؟ 

والقسم الثالث : الفقيه المُنْتَهي اليَقِظ الفَهِم المُحدِّث ، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع ، وكتاباً في قواعد الأصول ، وقرأ النحو ، وشارك في الفضائل ، مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته . فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المُقيَّد ، وتأهَّل للنظر في دلائل الأئمة . فمتى وضَحَ له الحق في مسألة ، وثبت فيها النص ، وعمل بها أحد الأئمة الأعلام ؛ كأبي حنيفة مثلاً، أو كمالك أو الأوزاعي أو الثوري ، أو الشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق: فلْيَتَّبِع فيها الحق ، ولا يسْلُك الرُّخص ، ولْيَتَوَرّع ، ولا يَسَعَه فيها – بعد قيام الحجة عليه – تقليد ” ا.هـ .

 

 

من كتاب: “المسائل” للشيخ صالح بن محمد الأسمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *