♢رَدّ اتِّهامِ الأَشاعِرَةِ بأَنَّهُم يُكَفِّرون الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللّهَ وَفْقَ طَرِيقَتِهِمْ الكَلَامِيَّةِ
يُقالُ : الأَشاعرةُ أَهْلُ تَكْفِير ٍ, وَيَدُلُّ علَى ذلك َ:
فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا = تَكْفِيرُ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَبْدَأُ بِتَكْفِيرِهِ = آبَاؤُهُ وَأَسْلَافُهُ وَجِيرَانُهُ! “
” ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى ) : أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ تَعَالَى بِالطُّرُقِ الَّتِي طَرَقُوهَا، وَالْأَبْحَاثِ الَّتِي حَرَّرُوهَا = لَمْ يَصِحَّ إِيمَانُهُ، وَهُوَ كَافِر
ويُرَدُّ ذلكَ الاتِّهامُ بأَنْ يُقالَ:
ما نَقلتَهُ مِن : ” تَفسير القُرْطُبي(600 – 671هـ” مَأخوذٌ عن أَبي حامِدٍ الغَزّاليّ الأَشعَرِي (450-505هـ) رضي الله عنه، حيثُ قال في:
” فَيصَل التَّفرِقة ” :
“ مِن أشَدِّ الناس غُلوًّا وإسرافًا، طائفةٌ من
المتكلمين كفَّروا عوامَّ المسلمين، وزعموا أنَّ من لا يعرف الكلامَ مَعْرِفَتَنا،
ولم يعرِفِ الأدلَّة الشرعية بأدلتنا التي حَرَّرْناها، فهو كافر. فهؤلاء ضيَّقوا
رحمة الله الواسعة على عباده أولًا. وجعلوا الجنَّة وقفًا على شِرْذِمَة يسيرة من
المتكلِّمين، ثم جَهِلوا ما تواتَرَ من السُّنة ثانيًا ” انتهى.
فَصَحِّح ما نَقلتَه علَيه ،وارْجِع
في التَّوثُّقِ إِلَيهِ، فقد قال الشَّمْسُ القُرْطُبِيُّ الأَشْعَرِيُّ رحمه الله
عَقِبَ ذلكَ -كما في المَنشُورِ نَفسِه-:
قُلْتُ : (… وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ
جَاهِلٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ رَحْمَةَ
اللَّهِ الْوَاسِعَةَ عَلَى شِرْذِمَةٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَاقْتَحَمُوا فِي تَكْفِيرِ عَامَّةِ
الْمُسْلِمِينَ…)
وفي الكلامِ خَلَلٌ ظاهِرٌ يُعرَف
بالرُّجوعِ لِما في:”الفِصَل”.
وقال ابنُ حَجَرِ العَسْقَلانِيُّ رَحمَه اللهُ في: ” فَتْح الباري“:
” وَقَرَأْتُ فِي جُزْءٍ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ شَيْخِنَا الْحَافِظِ صَلَاحِ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ :
) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَنَاقَضَتْ فِيهَا الْمَذَاهِبُ، وَتَبَايَنَتْ بَيْنَ مُفْرِطٍ وَمُفَرِّطٍ وَمُتَوَسِّطٍ،
– فَالطَّرَفُ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَكْفِي التَّقْلِيدُ الْمَحْضُ فِي إِثْبَاتِ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهُ .
وَمِمَّنْ نُسِبَ إِلَيْهِ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ.
– وَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فَحَرَّمَ النَّظَرَ فِي الْأَدِلَّةِ ، وَاسْتَنَدَ إِلَى مَا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ مِنْ ذَمِّ الْكَلَامِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .
– وَالطَّرَفُ الثَّانِي : قَوْلُ مَنْ وَقَفَ صِحَّةَ إِيمَانِ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ.
وَنُسِبَ ذَلِكَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: <أَسْرَفَتْ طَائِفَةٌ فَكَفَّرُوا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْعَقَائِدَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي حَرَّرُوهَا فَهُوَ كَافِرٌ ، فَضَيَّقُوا رَحْمَةَ اللَّهِ الْوَاسِعَة ،َ وَجَعَلُوا الْجَنَّةَ مُخْتَصَّةً بِشِرْذِمَةٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِين ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِي ،ِّ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِهِ ، وَنَقَلَ عَنْ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَجُوزُ أَنْ تُكَلِّفَ الْعَوَامَّ اعْتِقَادَ الْأُصُولِ بِدَلَائِلِهَا ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَشَدَّ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي تَعَلُّمِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ ” انتهى المُرادُ .
* وعليه: فليس في تلك المثقَرَّرَات عَزْوُ ذلكَ القَولِ التَّكفيريِّ للسَّادة الأشاعِرة، بلْ أنكَروهُ.. فنسبتُهُ إليهِمْ افتِراءٌ عَليهِم، وتّزويرٌ للحَقَائِقِ
والحَمْد للهِ ربِّ العالَمِينَ…