الإصرار على الصغيرة

مسألة: الإصرار على الصغيرة

بقلم:  (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

     مما اتفق الفقهاء عليه-كما في: “الفروق”( 4 / 67 ) للقرافي-: أن الصغيرة تعظم مع الإصرار عليها، قال تعالى :   والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون  ، و(قال العلماء-رحمهم الله-: والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة . وروي عن عمر ، وابن عباس وغيرهما – رضي الله عنهم – : لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار معناه أن الكبيرة تمحى بالاستغفار ، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار) كذا قال النووي رحمه الله تعالى في: “شرح مسلم”( /266) . وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في: “شرح الأربعين”( / ) : “فالمحسن هو من لا يأتي بكبيرة إلا نادرا ثم يتوب منها ومن إذا أتى بصغيرة كانت مغمورة في حسناته المكفرة بها ولا بد أن لا يكون مصرا عليها كما قال تعالى ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون” . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار . وروي مرفوعا من وجوه ضعيفة . وإذا صارت الصغائر كبائر بالمداومة عليها فلابد للمحسنين من اجتناب المداومة على الصغائر حتى يكونوا مجتنبين لكبائر الإثم والفواحش “أ.هـ.

وللإصرار صورتان -كما في: “البحر المحيط”(( 4 / 277 )-:

     الأولى: إصرار حكمي . وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها مع عدم المباشرة. (فهذا حكمه حكم من كررها فعلا , بخلاف التائب منها , فلو ذهل من ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة , والجمعة والصيام , كما دل عليه الأحاديث . لكن اختلف في هذا هل شرط التكفير عدم ملابسته لشيء من الكبائر أو لا يشترط ذلك ؟ على قولين , لأجل قوله صلى الله عليه وسلم : { الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر } , وحكى ابن عطية وغيره عن الجمهور الاشتراط لظاهر الحديث , واختار بعض المحققين أنه لا يشترط . قال : والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء , والتقدير : مكفرات ما بينهن إلا الكبائر , وهذا يساعده مطلق الأحاديث المصرحة بالتكفير من غير شرط , وإن قلنا : إن المراد بالكبائر في الآية السابقة الكفر كما قال ابن فورك , فنحمل الحديث عليها , وتسقط الدلالة بها للقول الأول) . انتهى من :”البحر المحيط” . 

     الثانية: إصرار بالفعل . (ويحتاج إلى ضابط . قال ابن الرفعة : لم أظفر فيه بما يثلج الصدور ، وقد عبر عنه بعضهم بالمداومة ، وحينئذ هل تعتبر المداومة على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار من الصغائر ، سواء كانت من نوع واحد أو أنواع ؟ ويخرج من كلام الأصحاب عنه وجهان . قال الرافعي : ويوافق الثاني قول الجمهور : من تغلب معاصيه طاعته كأن يزور الشهادة . قال : وإذا قلنا به لم يضره المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات ، وعلى الأول تضره . قال ابن الرفعة : وقضية كلامه أن مداومة النوع تضر على الوجهين  أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته قال : إن الإكثار من النوع الواحد كالإكثار من الأنواع ، وحينئذ يحسن معه التفصيل . نعم ، يظهر أثرها فيما إذا أتى بأنواع من الصغائر، فإن قلنا:بالأول لم يضر،وإن قلنا بالثاني ضر) . انتهى من :”البحر المحيط” . 

 


تمت بحمد الله 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *