رد القول بتسلسل الحوادث

عنوان: رد القول بتسلسل الحوادث

بقـلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

 

     الحمد لله ذي الصفات العلية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البريَّة، وعلى آله وصحبه ذوي الأنفس الزكيََّة، أما بعد:

     فقد قررتُ في محاضراتي المعنون لها بـ: (ما لا يسع جهله في الاعتقاد) إبطال القول بحوادث لا أول لها، وأن اعتقاد ذلك كفر! … فاعترض بعض: بأن لصفة الخالقية لله أثرًا، ونفي قدم الأثر يوجب تعطيل صفة الخالقية؛ لأن صفة الخالقية قديمة لله، وأكَّده ابن أبي العز الحنفي عند قول الإمام الطحاوي في عقيدته: “ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق…” ا.هـ.

     ويرد الاعتراض: بأن المقرر في محاضراتي المشار إليها قد تضمن شيئين:

     الأول: بطلان القول ب(حوادث لا أول لها)، أو ما يسميه بعض بـ(قدم نوع العالم) ، وعلى ذلك دلائل النقل والعقل،

     – فأما النقل فمنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان الله ولا شيء غيره” رواه البخاري-كما في: ” فتح الباري (13/ 410) ـ وغيره، ووجه دلالة الحديث (أن الشيء يشمل الجسم والفعل والنوع والآحاد) قاله السبكي رحمه الله تعالى في: “السيف الصقيل”(ص/86)

     – وأما العقل فمنه ما تقريره التالي: (كل ما سوى الواجب ممكن، وكل ممكن حادث، فالعالم حادث. أما المقدمة الأولى-وهي: كل ما سوى الواجب ممكن- فظاهرة. وأما الثانية –وهي: كل ممكن حادث- فلأن الممكن يحتاج في وجوده إلى موجد، والموجد لا يمكن أن يوجده حال وجوده، وإلا لكان إيجادا للموجود، وهو محال، فيلزم أن يوجد حال لا وجوده، فيكون وجوده مسبوقا بعدمه، وذلك حدوثه، وهو المطلوب) قاله السبكي –كما في: “شرح الإحياء”(3/194)- ولا فرق في ذلك بين نوع العالم وأفراده؛ لأنه لا وجود للنوع إلا بأفراده.

     الثاني: كفر من اعتقد بحوادث لا أول لها، أو قدم العالم مطلقا، وقد حكى أئمة الإجماع على ذلك، ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى في: “الشفا”(2/606) حيث قال معددا عقائد كفرية:

     “…أو اعتقد أن مع الله في الأزل شيئا قديما غيره، أو أن ثم صانعا للعالم سواه، أو مدبرا غيره-فذلك كله كفر بإجماع المسلمين”انتهى وقال أيضا: “وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك على مذهب بعض الفلاسفة والدهرية” انتهى.وقال مرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في: “شرح الإحياء”(2/94) :وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: اعلم أن حكم الجواهر والأعراض كلها الحدوث، فإذًا العالم كله حادث، وعلى هذا إجماع المسلمين بل وكل الملل، ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الإجماع القطعي”  انتهى.

     تنبيه: قول المعترض: (إن نفي قدم الأثر يوجب تعطيل صفة الخالقية) فشبهة باطلة؛ لأنه     لا يلزم من قدم قدرة الله تعالى إمكان تعلقها في القدم حتى يبنى عليه: جواز قدم أفعاله سبحانه! وذلك أن إيجاد الشيء هو إخراجه من حيز العدم إلى حيز الوجود، والموجود لابد لأجل وجوده من تعلق قدرة الله به، فلابد أن تقارن القدرة عدمه حتى تتعلق به وتخرجه من العدم إلى الوجود. ومعلوم أن الفاعل المختار لابد أن يقصد لإيجاد فعله، والقصد إلى إيجاد الموجود محال، وقدرة الله لا تتعلق بالمحالات، قال البدر الزركشي رحمه الله تعالى في: “تشنيف المسامع”(2/257) : “وقدرة الله شاملة لكل مقدور جوهرا أو عرضا، والمراد ب(المقدور) : الممكن، وأما المستحيلات فلعدم قابليتها للوجود لم يصلح أن تكون محلا لتعلق الإرادة، لا لنقص في القدرة” انتهى المراد.

 

تمت بحمد الله 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *