مسألة: رد خبر “عليكم بدين العجائز”
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
احتَجَّ بعضٌ بخبر: ” عليكم بدين العجائز” على ذم الاشتغال بالعلوم العقلية في تقرير العقائد الحقَّة. وهو باطل من جهتين:
أما الأولى: فمن حيث الرواية. حيث لا يصح كخبر عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول جمال الدين محمد طاهر الصديقي الهندي، الفتني في: ” تذكرة الموضوعات”( / ) : “ لم أقف له على أصل ،وإنما رأيت حديثا لابن السلماني: ” إذا كان في آخر الزمان واختلفت الأهواء فعليكم بدين أهل البادية والنساء ” . ولابن السّلماني نسخة اتُهِم بوضعها، وقال الصَّغاني: موضوع . وفي:”المقاصد” : لا أصل له بهذا اللفظ لكن عند الدَّيْلمي عن ابن السّلماني وهو ضعيف جدا، حدَّث عن أبيه بمائتي حديث كلها موضوعة لا يَحِلُّ ذِكْرها إلا على وجه التَّعَجُّب”ا.هـ.
وأما الثانية: فمن حيث الدراية. حيث حمله العلماء على التسليم لله والإنقياد فيما قضاه سبحانه، يقول السيف الآمدي رحمه الله تعالى في: “إحكام الأحكام” :”وقوله عليه السلام (عليكم بدين العجائز) – لم يَثْبت ولم يَصِح.وإن صحَّ فيجب حمله على التفويض إلى الله تعالى فيما قضاه وأمضاه جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الأدلة”انتهى.
ثم إن البراهين القاطعة قد قامت على صحت الإستدلال بالعلوم العقلية، لذا قال الجرجاني رحمه الله تعالى في: “شرح المواقف”( / ) :
“وثالث الوجوه المعارضة: قوله عليه الصلاة والسلام (عليكم بدين العجائز) ولا شك أن دينهن بطريق التقليد ومجرد الاعتقاد إذ لا قدرة لهن على النظر فيجب علينا الكف عنه.
قلنا:
1- إن صح الحديث أي لا نسلم صحته إذ لم يوجد في الكتب الصحاح بل قيل إنه من كلام سفيان الثوري فإنه روى أن عمرو بن عبيد من رؤساء المعتزلة قال: (إن بين الكفر والإيمان منزلة بين المنزلتين فقالت عجوز قال الله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فلم يجعل الله من عباده إلا الكافر والمؤمن فبطل قولك فسمع سفيان كلامها فقال عليكم بدين العجائز).
2- وإن سلمنا صحته فالمراد به التفويض إلى الله سبحانه فيما قضاه وأمضاه والانقياد له فيما أمر به ونهى عنه لا الكف عن النظر والاقتصار على مجرد التقليد.
3- ثم إنه خبر آحاد لا يعارض القواطع وما استدللنا به على وجوب النظر من قبيل القواطع” انتهى.
والله الموفق، لا رب سواه.
تمت بحمد الله