تفقه قبل أن تسود

بقلم:  (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

علَّقَ الإمام البخاري رحمه الله تعالى في : “الصحيح” (1/199ـ مع الفتح) عن سيدنا عمر رضي الله عنه قوله:”تَفَقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا”. وقد أسنده جماعة، ومنهم : ابن أبي شيبة في : “المصنف” (8/540) . وسنده صحيح كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في : “فتح الباري” (1/200) ، والبدر العيني رحمه الله تعالى في : “عمدة القاري” (2/54) ، والسخاوي رحمه الله تعالى في : “المقاصد الحسنة” (ص/158) ، في آخرين .

      واختُلِف في معناه على أقوال ذكرها جماعة، ومنهم : الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في : “الفتح” (1/200) . إلا أن المعروف معنيان :

      ـ أولهما : أن قوله : “قبل أن تُسَوَّدوا” أي : قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الأنفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالاً. قال أبو عُبَيْد رحمه الله تعالى في : “غريب الحديث” (3/369) : “يقول : تعلَّموا العلم ما دمتم صغاراً، قبل أن تصيروا سادةً رؤساءَ منظوراً إليكم، فإن لم تعلَّموا قبلَ ذلك استحييتم أن تَعلَّموه بعد الكِبَر، فبقيتم جهالاً تأخذونه من الأصاغر، فيُزْري ذلك بكم” ا.هـ

     وقال ابن بطال رحمه الله تعالى في: “شرح البخاري” (1/158ـ159) : “وقول عمر : “تفقهوا قبل أن تسودوا” : فإن من سَوَّدَهُ الناس يَسْتحي أن يقعد مقعد المتعلم خوفاً على رئاسته عند العامة. وقال مالك: كان الرجل إذا قام من مجلس ربيعة إلى خطبة أو حكم ـ لم يَرْجع إليه بعدها! . وقال يحيى بن معين : مَنْ عَاجَلَ الرئاسةَ فاته علم كثير” ا.هـ.

     ـ والثاني : أن قوله : “قبل أن تُسَوَّدوا” أي : قبل أن تُزَوَّجوا. قال المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في : “تاج العروس” (   /   ) : “وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “تفقهوا قبل أن تسودوا” قال شَمِرٌ: معناه تعلَّموا الفقه قبل أن تُزَوَّجوا، فتصيروا أرباب بيوت، فتُشْغَلُوا بالزواج عن العلم، من قولهم : اسْتَادَ الرجلُ إذا تزوَّج في سادة” ا.هـ. وقال البدر العيني رحمه الله تعالى في : “عمدة القاري” (2/55) : “وفي : “مجمع الغرائب” : يحتمل أن معنى قول عمر رضي الله عنه ـ قبل أن تزوجوا فتصيروا سادة بالتحكم على الأزواج والاشتغال بهن لَهْواً ثم تَمَحُّلاً للتفقه. ومنه : الاستياد، وهو طلب التسيد من القوم، وجزم البيهقي في مدخله بهذا المعنى، ولم يَذْكر غيره. وقال معناه: قبل أن تزوجوا فتصيروا أرباب بيوت، قاله شَمِرٌ” ا.هـ.

     ومع كون المعنى الثاني صحيحاً لكن الأثر أعم، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في : “فتح الباري” (1/200) : “ولا وجه لمن خَصَّ قول عمر بالتزوج؛ لأن السيادة أعم منه، فإنها قد تكون بالتزوج وقد تكون بغيره من الأمور الشاغلة لأصحابها عن الاشتغال بالعلم” ا.هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *