الاحتجاج بالمذاهب الأربعة

عنوان: الاحتجاج بالمذاهب الأربعة

بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

     هناك فرق بين مسألتين عند الفقهاء والأصوليين:

     الأولى: جعل المذاهب الأربعة دليلا شرعيا.وهذه لم يختلف الفقهاء في عدم انطباق حقيقة الدليل عليها؛ حيث إن الدليل هو: ما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.

     لذا لم يَعُدّ الفقهاء اتفاق المذاهب الأربعة في الأدلة، سواء أكانت أدلة متفقا عليها أم مختلفا فيها .

     والثانية: الاحتجاج بالمذاهب الأربعة. وهذه معتبرة بعد استقرار المذاهب الأربعة واندراس غيرها من المذاهب؛ لأن الفقهاء قرروا شيئين:

     الأول: كون الناس صنفين لا ثالث لهما، مجتهد ومقلد. والواجب على المقلد أن يأخذ بمذهب المجتهد.وأما القول بمرتبة(الإتباع)!فهي في حقيقتها إحدى درجات التقليد ولابد.

     والثاني: عدم وجود مجتهد مستقل بعد الأربعة، وأما المجتهد المنتسب لمذهب فموجود ؛ لذا نبه الحافظ السيوطي رحمه الله في كتاب:”الرد على من أخلد إلى الأرض” إلى أن عامة من ذكرهم في كتابه من المجتهدين لم يصلوا رتبة الاجتهاد المستقل.

     وأما من يدعي الوصول إلى رتبة الاجتهاد المستقل ف(علامة صحة دعواه: أن يستقل بالكلام في المسائل كما استقل غيره من الأئمة، ولا يكون كلامه مأخوذا من كلام غيره.وأما من اعتمد على مجرد نقل كلام غيره، إما حكما أو حكما ودليلا-كان غاية جهده أن يفهمه، وربما لم يفهمه جيدا أو حرفه وغيره! فما أبعد هذا عن درجة الاجتهاد!)كما قاله ابن رجب رحمه الله في: “الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة”.

     وعليه: فمن يعمل عمل المجتهد في النظر إلى نصوص الشريعة وهو ليس ذا أهلية تامة-أي:مجتهد-فقد باشر فعل الحرام ، وانتصب لسهام الملام، ولا يرجى له الأجر،بل يخشى عليه الوزر، وفي ذلك يقول الإمام الخطابي رحمه الله في : “معالم السنن” تعليقاً على حديث: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر” : “وإنما يُؤْجَر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق؛ لأن اجتهاده عبادة …، وهذا فيمن كان من المجتهدين جامعاً لآلة الاجتهاد، عارفاً بالأصول وبوجوه القياس، فأما مَن لم يكن محلاً للاجتهاد فهو متكلِّف، ولا يُعذر بالخطأ في الحكم، بل يخاف عليه أعظم الوزر، بدليل حديث ابن بُريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار . أما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق فقضى به . ورجل عرف الحقّ فَجَار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى الناس على جهل فهو في النار” ا.هـ . وقال النووي رحمه الله في: “شرح مسلم” (12/13): “قال العلماء: فأما من ليس أهلاً للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له، بل آثم، ولا يَنْفُذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا؛ لأن إصابته اتفاقية، ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاصٍ في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يُعذر في شيء من ذلك” ا.هـ .

     ومن ثم وقع الاتفاق الجُمْلي على الالتزام بالمذاهب الأربعة ، والمنع من الخروج عنها، وفي ذلك يقول بدر الدين الزركشي رحمه الله في : “البحر المحيط” (6/209): “والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق، لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة، وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب، وحينئذ فلا يجوز العمل بغيرها، فلا يجوز أن يقع الاجتهاد إلا فيها” ا.هـ . 

وقال في: “مراقي السعود” :

 والمُجْمَعُ اليومَ عليهِ الأَرْبَعَة …. وقَفْوُ غَيْرها الْجَمِيع مَنَعَهُ

 


تمت بحمد الله 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *