الوصف
بطاقة الكتاب | |
الكتاب | عقد التسبيح باليد اليمنى
(مطوية فقهية) |
المؤلف | الشيخ صالح بن محمد الأسمري |
الفهرس | |
عنوان المسألة
صورة المسألة حكـــم المســألــة حكاية الخلاف في المسألة عــزو القــول إلى قائله أدلـــة كـــل قـــول |
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، أمابعد:
فهذا تقييد مسألة الخلاف في عقد التسبيح باليد اليمنى، سائلا الله التوفيق والقبول، فهو أكرم مسؤول.
عنوان المسألة :
لقد عَنْوَن الفقهاء لهذه المسألة بأحد عنوانين :
ـ أولهما : (عَقْد التسبيح باليمين) .
ـ والثاني : (عَدّ التسبيح باليمين) .
وهما سواء إلا أن كلمة : (عقد) و(عَدّ) هي الفارق بينهما ، وسَنَد العَنْوَنَة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ـ وسيأتي إن شاء الله ـ .
و(العَقْد) بنحو (العَدّ) معنى ، ذلك أن (العقد) في اللغة : يدل على شَدّ وشِدَّةِ وثوقٍ ، قاله ابن فارس يرحمه الله في : ((مقاييس اللغة)) . “والذي صَرَّح به أئمة الاشتقاق أن أصل العقد نقيض الحَلّ ” ؛ قاله الزبيدي يرحمه الله في :(( شرح القاموس )) .
والمراد من (العقد) هنا معنى : حَسَب ، وهو أحد معاني مادة (عَقَد) كما في : (( القاموس )) للفيروزآبادي ـ يرحمه الله ـ .
وذِكْر (التسبيح) في العَنْوَنة دون غيره من أنواع الذِّكْر – إنما كان لحديث ابن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ ، ولأنه الغالب .
صورة المسألة :
وللمسألة صورة كاشفة ، حاصلها : استعمال أصابع اليد اليمنى في تَعْداد التسبيحات والتهليلات وغير ذلك من أجناس الذِّكر .
حكـــم المســألــة :
واستعمال أصابع يُمنى اليدين في الصورة السابقة – لا يخرج عن ثلاثة أحوال :
ـ أما الأولى : فاضطرار المرء إلى عَدِّ التسبيح ـ وغيره ـ باليد اليمنى ، كأن تكون يده الشمال مقطوعة ، ويُلحق بذلك وجود مشقة وعَنَت عند استعمال الشمال لِعِلَّة مرض ونحوها .
وهذا الاستعمال يَدخل في دائرة المشقة والضرورة الجالبة لليُسْر والسَّعَة ، وهي قاعدة فقهية مجمع عليها (1) ، قال الناظم :
ومِن قواعدِ الشريعةِ التَّيْسِيْرُ في كـلِّ أمـرٍ نَـابَهُ تَعْسِيْرُ
وكان ذلك التيسير دفعاً لمفسدتين ، ذكرهما الإمام الشاطبي ـ يرحمه الله ـ بقوله : “اعلم أن الحرج والمشقة مرفوع عن المكلفين لوجهين :
أحدهما : خوف الانقطاع من الطريق ، وبُغض العبادة وكراهة التكليف…
الثاني : خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلِّقة بالعبد المختلفة الأنواع” (2) .
ـ وأما الثانية : فاستعمال اليمين في العَدّ أحياناً وعلى جهة الجواز والإباحة ، فهذا مُحْتَمل عند الفقهاء ، ولا يكادون يختلفون في إباحته وجوازه(3).
ـ وأما الثالثة : فاستعمال اليمين في العَدّ على جهة التقرّب والاستحباب، وهذا مَحَلّ اختلاف بين الفقهاء .
حكاية الخلاف في المسألة :
وحاصل أقوالهم في ذلك قولان :
ـ أولهما : استحباب عقد التسبيح باليمين .
ـ والثاني : عدم استحباب ذلك ، وأن السنة : عقد التسبيح باليدين .
عــزو القــول إلى قائله :
وهذان القولان بكل منهما قال قوم .
فأما أولهما : فمعزوٌّ إلى جمهورالفقهاء .
وأما الثاني : فقال ابن عَلاَّن في (( الفتوحات الربانية)) :” قال ابن الجزري … وقال أهل العلم : ينبغي أن يكون عدد التسبيح باليمين”(4) .
أدلـــة كـــل قـــول :
ولكلٍ من القولين دليله .
فأما القول الأول فَلَه دليلان :
الأول : الخبر ، وفيه حديثان :
ـ الحديث الأول : ما أخرجه البخاري ومسلم في ((صحيحهما)) عن عائشة أنها قالت : ((كان رسول الله يُعْجِبه التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطُهوره وفي شأنه كله))(5) .
ودلالته على المراد بطريق عمومه ، ووجهه : أن جملة : ( وفي شأنه كله) ـ بإثبات الواو(6) ـ معطوفة ، والمعنى : (كان رسول الله يُعْجبه التيمُّن في شأنه كله) ؛ لذا جاء الحديث عند مسلم في : باب التيمّن في الطهور وغيره – بلفظ : “كان رسول الله r يُحِب التيمّن في شأنه كله ، في نَعْلَيْهِ وتَرَجُّلِه وطُهُوره”(7). قال الحافظ يرحمه الله : “وتأكيد (الشأن) بقوله : (كله) يدل على التعميم ؛ لأن التأكيد يَرْفع المجاز”(8) ، لذا قال ابن المُلَقِّن رحمه الله : “قولها : (وفي شأنه) هذا عام في كل شيء”(9) .
فـــائـدة :
قال الصنعاني يرحمه الله في حاشيته على : ((إحكام الأَحْكام)) : “قال : (يعجبه) أقول : لم يتكلم الشارح ـ يعني : ابن دقيق العيد رحمه الله ـ على هذه اللفظة ، وهل تدل على النَّدْبِيّة أو غيرهما من الأحكام ؟ إذ الإعجاب لا يدل على حكم من الأحكام ، وفعل ما يعجبه لا شرعية فيه مثل : ) ولو أعجبك حسنهن( ، وقد يدل على الذم مثل : )بل عجبت ويسخرون( و ) إن تعجب فعجب قولهم( . نعم جاء في المدح مثل حديث : ( عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ) أخرجه أحمد والبخاري من حديث أبي هريرة .
والذي يظهر أنـها عبرت بالإعجاب عن المحبة ، أي أنه كان يُحِب التيمُّن . وكل فعل يحبه الله أو يحبه رسول الله r فهو يدل على مشروعيته المشتركة بين الإيجاب والندب ، ووجه الإعجاب بذلك : أن اليمين مأخوذة من اليُمْن وهو البركة ، ولأن أصحاب اليمين من أهل الجنة ، ولأن كلتا يدي ربنا يمين كما في الأحاديث” .
ـ والحديث الثاني : ما أخرجه أبو داود والبيهقي في : ((سننيهما)) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال : “رأيت رسول اللهr يَعْقد التسبيح بيمينه”(10) .
والثاني : النظر ، وتقريره : أن استعمال اليد اليمنى في كل طيِّب كريم مندوب إليه شرعاً ، وعَدّ الذكر من الأعمال الكريمة ؛ حيث فيه : تنـزيه الله عن النقص والعيب بالتسبيح ، وفيه : توحيد الله بالتهليل .
قال الحافظ رحمه الله : “قال النووي : قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين ، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر”(11) . وقال ابن الملقن رحمه الله : “كل ما كان من باب التكريم والزينة كان باليمين ، وما كان بخلافه فباليسار”(12) .
وأما القول الثاني فله دليلان :
الأول : الخبر ، وفيه حديثان :
ـ أحدهما : ما أخرجه أحمد في : ((المسند)) والأربعة في : ((سننهم)) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله r : “خلتان من حافظ عليهما أدخلتاه الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل ، قالوا : وما هما يا رسول الله ، قال : أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشراً عشراً ، وإذا أتيت مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة مرة فتلك خمسون ومائة باللسان وألفان وخمسمائة في الميزان، فأيكم يعمل باليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة ، قالوا : كيف من يعمل بهما قليل ، قال : يجيء أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يقولها ، ويأتيه عند منامه فينوّمه فلا يقولها : ورأيت رسول الله r يعقدهن بيده”(13) .
ودلالته ظاهرة على المقصود ؛ حيث إن كلمة : ( بيده ) اسم جنس يشمل كلا اليدين .
ـ والحديث الثاني : ما أخرجه أحمد في : ((المسند)) وأبو داود والترمذي في : ((سننهما)) من حديث يُسَيْرة أنها قالت : قال لنا رسول الله r “عليكُنَّ بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعْقِدْن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات ، ولا تَغْفُلْنَ فتُنْسَيْنَ الرَّحْمَة”(14) .
ودلالته في قوله : ( بالأنامل ) إذ هي الأصابع ، ومن ثَمَّ تشمل أصابع اليدين ، وهذا مقتضى عمومه .
والثاني : النظر ، وتقريره من جهات ثلاث :
الأولى : أن إعمال كلتا اليدين في العبادة ( حيث يمكن إعمالهما أولى ) ، بل هو المُطَّرد مع قاعدة الشريعة ، والشأن هنا كذلك .
الثانية : أن الذكر دعاء ، وسنة الدعاء استعمال اليدين معاً ، كرفعهما حال الدعاء ونحو ذلك .
الثالثة : أن عقد التسبيح بهما زينة الصلاة بعدها ، كرفعهما أثناء الصلاة ووضعهما على الصدر : زينة الصلاة ، كما قال بعض السلف .
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها اللهُ
(1) انظر : ((الموافقات)) للشاطبي (2/122) .
(2) ((الموافقات)) (2/136) .
(3) انظر : ((الاعتصام)) للشاطبي (2/65ـ66،108) ، ومجموع ((الفتاوي)) لابن تيمية (3/195) .
(4) (1/251) .
(5) البخاري برقم : (168) و(5854) وغيرهما . ومسلم برقم : (268) . والحديث عند أحمد وأصحاب السنن .
(6) انظر : ((فتح الباري)) لابن حجر رحمه الله (1/324) .
(7) برقم : (268) .
(8) ((فتح الباري)) (1/324) .
(9) ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) (1/397) .
(10) أبو داود برقم : (1497) ، تحقيق عوامة ، والبيهقي : (2/187) .
(11) ((فتح الباري)) (1/325) . وانظر : ((شرح صحيح مسلم)) ، للنووي (3/205) .
(12) ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) (1/392] .
(13) أحمد برقم : (6871) ، وأبو داود برقم : (5026) تحقيق : عوامة ، والترمذي برقم : (3410) ، والنسائي برقم : (1347) المكتب الإسلامي ، وابن ماجه برقم : (926) .
(14) أبو داود برقم : (1496) تحقيق : عوامة ، والترمذي برقم : (3583) . واللفظ للترمذي .
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.