Search
Close this search box.

دفع إنكار حياة سيدنا الخضر عليه السلام

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

   لايزال خلْقٌ يَقْطعون بموت سيدنا الخضر عليه السلام،ويُشنِّعون في الإنكار على القائلين بحياته! ويُردِّدون نحو قول الحافظ ابن كثير الشافعي رحمه الله تعالى في “تفسيره”(3/135) : “وذكروا في ذلك –يعني:القائلين بحياته- حكايات وآثاراً عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك.. وأشهرها حديث التعزية، وإسناده ضعيف. ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا:

– بقوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ))
– وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: “اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. “
– وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، وقد قال: “لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي”. وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى من هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف.. إلى غير ذلك من الدلائل انتهى.

 

  ويُدفع ذلك الإنكار بتقرير مايلي:

 

أولا: المسألة من مسائل الخلاف المعروفة،يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: ” الإصابة “(1/114) :”الخضر صاحب موسى عليه السلام اختُلف في نسبه وفي كونه نبيا وفي طول عمره وبقاء حياته”أ.هـ المراد.

  وكُتب فيها رسائل مُفردة،فممن انتصر لموته الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه: “عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر،وممن انتصر لحياته ابن مصطفى الرومي(ت/1070هـ) رحمه الله تعالى في كتابه: “القول الدال على حياة الخضر ووجود الأبدال” .

   وذهب جماعة إلى رأي انتصر له الشيخ محمد الحوت(ت/1277هـ) رحمه الله تعالى في كتابه: “أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب بقوله: “و بالجملة: فكل ما ورد في حياته أو موته غير صحيح. و أما اجتماعه بالأولياء:فيحمل على روحه و أنها تتشكل بصورته ، فالأرواح لها تصرف بعد الموت كالحياة ، و يدل لهذا أن من يراه من الناس يراه وحده لا غيره ، و لو كان جسما لرآه كل حي مرّ به ، لأنه آدمي لا ملك و لا جنيّ ، فرؤيته و رؤية النبي جهارا لبعض الأولياء رؤية نورانية ، و هي من رؤية المثال لا في عالم الشهود ، لأنه لو كان في عالم شهود الشخص كان من جملة الخيال و الحَدْس أو حديث النفس ، و للأولياء أحوال لا يقدرون أن يعبروا عنها فكيف يعبر عنها غيرهم ، ولا نظن بهم إلا الخير رضوان الله عليهم أجمعين ا.هـ.
ثانيا: أكثر العلماء وجماهيرهم على القول بحياته، يقول النووي رحمه الله تعالى في ” شرح مسلم “(5/115) : جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير- أكثر من أن يحصر، وأشهر من أن يستر.وقال الشيخ أبو عمر بن الصلاح: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك، قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين”أ.هـ المراد. وقال في: “المجموع شرح المهذَّب”(5/275) : “أن الخضر عليه السلام حي باق، وهذا قول أكثر العلماء“أ.هـ.

  وتقريره مشهور،كقول ابن كثير رحمه الله تعالى في: “البداية والنهاية”(1/383) : “وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا فالجمهور على أنه باق إلى اليوم“أ.هـ. المراد.وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: “الإصابة”

(1/114) : “ …مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه“أ.هـ.المراد. وقول البدر العيني رحمه الله تعالى في: “عمدة القاري”( / ) : ” اختلفوا فى حياة الخضر فالجمهور على أنه باق إلى يوم القيامة”أ.هـ. وكذا غيرهم.

ثالثا: أن للقول بحياته حججا،حاصلها شيئان:

أولهما: الحديث الشريف،ومنه حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه،وفيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي أحمل له الطهور إذ سمع منادياً فقال: ((يا أنس صُبَّه)) فقال: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو قال أختها)) فكأن الرجل لُقِّن ما أراد رسول الله، فقال: وارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حيَّا يا أنس ضع الطهور وائت هذا المنادي فقل له: أن يدعو لرسول الله صلى الله عليه وسل مأن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق)) فأتيته فقلت: ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على ما ابتعثه وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق. فقال: ومن أرسلك؟ فكرهت أن أعلمه ولم أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وما عليك رحمك اللهبما سألتك؟ قال: أولا تخبرني من أرسلك؟ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ما قال، فقال: ((قل له أنا رسول رسول الله)) فقال لي: مرحباً برسول الله ومرحباً برسوله أنا كنت أحق أن آتيه أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وقل له: الخضر يقرئك السلام ويقول لك: إن الله قد فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور وفضل أمتك على الأمم ،كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فلما وليت عنه سمعته يقول: (اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المرشدة المتاب عليها] رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (3/255256رقم3071) من طريق بشر بن علي بن بشر العمِّي ، قال: نا محمد بن سلام المنبجي ، قال: نا وضاح بن عباد الكوفي عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك به.قال الطبراني عقبه: لم يرو هذا الحديث عن أنس إلا عاصم، ولا عن عاصم إلا وضاح بن عباد، تفرد به محمد بن سلام.لكن بشر بن علي قال عنه الهيثمي في: “مجمع الزوائد(8/212): “لم أعرفه”أ.هـ.و محمد بن سلام التيمي ضعيف كما في: “الميزان” (3/568) ،وذكره ابن حبان في: “الثقات”(9/101) وقال: “له غرائب”أ.هـ. ووضاح بن عباد الكوفي من الضعفاء كما قاله الذهبي في “الميزان”(4/4/334) وابن حجر في “اللسان “(7/321)[

  والأحاديث في ذلك وإن كانت واهية كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: “الزهر النضر في أخبار الخضر” لكنه ختم بقوله(ص/162) : “هب أن أسانيدها واهية؛ إذ كل طريق منها لا يَسْلَم من سبب يَقْتضي تضعيفها، فماذا يُصنع في المجموع، فإنه على هذه الصورة قد يَلْتحق بالتواتر المعنوي الذي مَثَّلوا له بجُوْدِ حاتمٍ”أ.هـ.

   

والثاني: الآثار،ومنها خبر لقيا الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله بسيدنا الخضر عليه السلام، فقد أخرج أبو نعيم في : “حلية الأولياء”(5/254) عن رياح بن عبيدة : خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ يتوكَّأ على يده فقلتُ في نفسي : إن هذا الشيخ جافٍ ، فلما صلى ودخل لحِقْته فقلتُ : أصلح الله الأمير! مَنْ الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ قال : يا رباح رأيْتَه ، قلتُ : نعم ، قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر أتاني فأعْلَمني أني سأَلِي أمْرَ هذه الأمة، وأني سأَعْدِل فيها فرحمه الله ورضي عنه .

  والخبر قال عنه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى  فى “تذكرة الحفاظ” (1/120): “إسناده جيِّد”أ.هـ. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فى “الإصابة”(2/ ): “هذا أصلح إسناد وقفت عليه فى هذا الباب . واعلم أن هذا الأثر دل على أن عمر بن عبد العزيز كان يذهب إلى حياة الخضر عليه السلام، وكان يجتمع به ، وعمر بن عبد العزيز تابعى جليل أجمعوا على جلالته وفضله ووفور علمه وشفقته على المسلمين“أ.هـ.ولذا أثبت الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه: “سيرة عمر بن عبدالعزيز” حياة سيدنا الخضر عليه السلام بناء على خبر عمر بن عبدالعزيز.

  وقد استفاض عن العلماء والصالحين مشاهدة سيدنا الخضر عليه السلام، وفي ذلك يقول الشيخ نوح بن مصطفى الرومي رحمه الله تعالى في: ““القول الدال على حياة الخضر ووجود الأبدال” : “وقال الإمام اليافعى رضى الله تعالى عنه ونفعنا به فى ( روض الرياحين ) : الصحيح عند جمهور العلماء أن الخضر الآن حيٌ ، وبهذا قطع الأولياء ، ورجحه الفقهاء والأصوليون وأكثر المحدثين ، وممن حكى ذلك عن جميع المذكورين الشيخُ الإمام أبو عمرو بن الصلاح ، ونقله عنه الإمام يحيى ابن شرف الدين النووي وقرره ، وسأل جماعة من الفقهاء الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام قالوا له : ما تقول في الخضر أحيٌ هو ؟ قال : ما تقولون لو أخبركم ابن دقيق العيد أنه رآه بعينه أكنتم تصدقونه أم تكذبونه؟ فقاولا : بل نصدقه فقال : والله قد أخبر سبعون صديقاً أنهم رأوه بأعينهم كل واحد منهم أفضل من ابن دقيق العيد . ثم قال : لا شك أن من اعتقد في الأولياء وصدق بكراماتهم صدق أن الخضر حي لأن الصديقين لم يزالوا في كل مكان يخبرون أنهم اجتمعوا به ، وذلك مشهور مستفيض عنهم ومروى في الكتب المشهورات التي رواها العلماء والثقات ، وقد ذكرت في هذا الكتاب أن جماعة من الشيوخ الكبار اجتمعوا به في حكايات متفرقة حذفت أسانيدها” . انتهى.

رابعا: أن إبطال حياة سيدنا الخضر عليه السلام بنحو ما قاله ابن كثير بعاليه يمكن رده، فمثلا قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ))، وحديث: “أريتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد”]رواه مسلم في: “الجامع”(رقم: 2537)[  أجاب عنهما ملا علي القاري رحمه الله تعالى في: “الحذر في الخضر”(ص/99-محمد خير) : “والأظهر في الجواب أن الخضر مستثنى؛ للعلم بأنه طويل الحياة كما ثبت في الروايات”أ.هـ. ومعلوم استثناء سيدنا عيسى والملائكة وإبليس كما في: “فتح الباري”(6/310) .

    وأما عدم لقيا سيدنا الخضر عليه السلام بمولانا رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم فغاية تقرير المعترض نفي صحة الخبر بذلك،وأنت خبير بأن نفي الصحة ليست نفيا للشيء.

والله أعلم.

وكَتَبَ/

(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به

الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله

 

تمت بحمد الله

0 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *