Search
Close this search box.

رد المنع من (علم المنطق)

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

يأبى بعض ٌإلا الذم لعلم المنطق بإطلاق،ويجعله قول أئمة أهل السنة،مستشهدا بنحو مقولة التقي ابن تيمية رحمه الله تعالى –كما في: “مجموع الفتاوي”(8/9)- : “ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله ، وينهون عنه وعن أهله ، حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم ، فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله ، حتى إن من الحكايات المشهورة التي بلغتنا أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي ، وقال : أخذها منه أفضل من أخذ عكا . مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية والفلسفية منه ، وكان من أحسنهم إسلاما ، وأمثلهم اعتقادا ” انتهى.ومقولة الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في: الحاوي للفتاوي” (1/255): فن المنطق فن خبيث مذموم ، يحرم الاشتغال به ، مبني بعض ما فيه على القول بالهيولى الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة ، وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية ، نص على مجموع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة“انتهى المراد.

 

ويُردُّ بشيئين:

أولهما: أن الخلاف في تعلُّم المنطق والعمل به مشهور،جاء في: “فتاوي الشهاب الرملي”(ص/)مانصُّه:”وقد سُئِلَ: هَلْ يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ الْمَنْطِقِ وَكَانَ الْفَارَابِيُّ يُسَمِّيهِ رَئِيسَ الْعُلُومِ , وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سِينَا وَقَالَ هُوَ خَادِمُهَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ : يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِهِ , وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا يُوثَقُ بِعُلُومِهِ وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ جَوَازُهُ لِمَنْ وَثِقَ بِصِحَّةِ ذِهْنِهِ وَمَارَسَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَغَايَتُهُ عِصْمَةُ الْإِنْسَانِ عَنْ أَنْ يَضِلَّ فَكُرِهَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمَعَانِي كَنِسْبَةِ النَّحْوِ إلَى الْأَلْفَاظِ وَهُوَ آلَةٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ أُخْرَىانتهى.

لكن هذا الخلاف في المخلوط بالفلسفة اليونانية،يقول العلامة محمد بن حسنين العدوي رحمه الله تعالى في: “حاشية الجواهر” (ص/4):“والخلاف الذي وقع في الإشتغال به ليس جاريا في جميع أقسامه، بل في الإلاهيات ومايؤدي إلى هدم قاعدة إسلامية من الطبيعيات والرياضيات، كبعض نظريات هندسية مبنية على أصل فلسفي، وماعداه لابأس بالإشتغال به، بل يطلب”انتهى.

لذا قال المختار بن بونة الشنقيطي رحمه الله تعالى في: “نظم المنطق” :

فإن تَقُل حَرّمَه النَّواوي *** وابنُ الصَّلاحِ والسُّيوطيْ الرَّاوي
قلنا:ترى الأقوالَ ذي المُخالِفة *** محلُّها ما صنَّفَ الفلاسِفة
أمَّا الذي خَلَّصَه مَن أَسْلما *** لا بدَّ أنْ يُعلَمَ عند العُلَما

 

والثاني: أن تصوَّر (علم المنطق) الذي فيه المتون والمنظومات عند المسلمين قاضٍ بردِّ المنع منه، لعدم الموجِب، يقول الحجة أبوحامد الغزالي رحمه الله تعالى في: “المنقذ من الضلال”(ص/ ) : “وأما المنطقيات: فلا يتعلق شيء منها بالدين نفياً وإثباتاً، بل هي النظر في طرق الأدلة والمقاييس، وشروط مقدمات البرهان، وكيفية تركيبها، وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبه. وأن العلم إما تصور وسبيل معرفته الحد، وإما تصديق وسبيل معرفته البرهان، وليس في هذا ما ينبغي أن ينكر، بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون وأهل النظر في الأدلة، وإنما يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات بزيادة الاستقصاء في التعريفات والتشعيبات، ومثال كلامهم فيها قولهم: إذا ثبت أن كل ” أ ” ” ب ” لزم أن بعض ” ب ” ” أ ” ” ي ” إذا ثبت أن كل إنسان حيوان لزم أن بعض الحيوان إنسان، ويعبرون عن هذه بأنه الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية. وأي تعلق لهذا بمهمات الدين حتى يجحد وينكر؟“انتهى المراد.

لذا علّق الشهاب ابن حجر الهيتمي رحمه الله بقوله-كما في: “الفتاوي الفقهية الكبرى”(1/183)-: ” فتأمله تأملا خاليا عن التعصب تجده – رحمه الله – قد أوضح المحجة وأقام الحجة على أنه ليس فيه شيء مما ينكر ولا مما يجر إلى ما ينكر ، وعلى أنه ينفع في العلوم الشرعية كأصول الدين والفقه ، وقد أطلق الفقهاء أن ما ينفع في العلوم الشرعية محترم يحرم الاستنجاء به ، ويجب تعلمه وتعليمه على الكفاية كالطب والنحو والحساب والعروض”انتهى المراد.

 

وعليه: (فأما المنطق المتعارف الآن بين أيدي أكابر علماء أهل السنة فليس فيه شيء مما ينكر ولا شيء من عقائد المتفلسفين ، بل هو علم نظري يحتاج لمزيد رياضة وتأمل يستعان به على التحرز عن الخطإ في الفكر ما أمكن فمعاذ الله أن ينكر ذلك ابن الصلاح ولا أدون منه وإنما وقع التشنيع عليه من جماعة من المتأخرين ؛ لأنهم جهلوه فعادوه كما قيل : ( من جهل شيئا عاداه ) وكفى به نافعا في الدين أنه لا يمكن أن ترد شبهة من شبه الفلاسفة وغيرهم من الفرق إلا بمراعاته ومراعاة

قواعده وكفى الجاهل به أنه لا يقدر على التفوه مع الفلسفي وغيره العارف به ببنت شفة بل يصير نحو الفلسفي يلحن بحجته ، وذلك الجاهل به وإن كان من العلماء الأكابر ساكتا لا يحير جوابا ولقد أحسن القرافي من أئمة المالكية وأجاد حيث جعله شرطا من شرائط الاجتهاد وأن المجتهد متى جهله سلب عنه اسم الاجتهاد فقال في بحث شروط الاجتهاد : ( يشترط معرفة شرائط الحد والبرهان على الإطلاق ، فمن عرفهما استضاء بهما ؛ لأن الحدود هي التي تضبط الحقائق التصورية فمن علم ضابط شيء استضاء به ، فأي محل وجده ينطبق عليه علم أنه تلك الحقيقة وما لا فلا ، وهو معنى قول بعض الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود ، والمجتهد يحتاج في كل حكم لذلك الذي يجتهد فيه إن كان حقيقة بسيطة – فلا يضبطها إلا الحد ، وإن كان تصديقا ببعض الأمور الشرعية – فكل تصديق مفتقر لتصورين فيحتاج في معرفتهما لضابطهما ، فهو محتاج للحد كيف اتجه في اجتهاده ، وشرائطه معلومة في علم المنطق ، وهو وجوب الاطراد والانعكاس ، وأن لا يحد بالأخفى ولا بالمساوي في الخفاء ، ولا بما لا يعرف المحدود إلا بعد معرفته وأن لا يأتي باللفظ المجمل ، ولا بالمجاز البعيد وأن يقدم الأعم على الأخص ، وأما شرائط البرهان فيحتاج إليها ؛ لأن المجتهد لا بد له من دليل يدله على الحكم قطعي أو ظني ، وكل دليل فله شروط محررة في علم المنطق من أخطأ شرطا منها فسد عليه الدليل ، وهو يعتقده صحيحا ، وتلك الشروط تختلف بحسب موارد الأدلة وضروب الأشكال القياسية وبسط ذلك علم المنطق ، فيكون المنطق شرطا في منصب الاجتهاد فلا يمكن حينئذ أن يقال : الاشتغال به منهي عنه أو أن العلماء المتقدمين كالشافعي ومالك لم يكونوا عالمين به فإن ذلك يقدح في حصول منصب الاجتهاد لهم ،نعم هذه العبارات الخاصة والاصطلاحات المعينة في زماننا لا يشترط معرفتها ، بل معرفة معانيها فقط ا هـ .

فتأمل هذا الكلام الجليل من هذا الإمام الجليل – تجده قد أشفى العي وأزال الغي)انتهى من: “الفتاوي الفقهية الكبرى”(1/184)

 

والله الموفق لا رب سواه،والحمد لله.

 

وكَتَبَ/

(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به

الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله

 

تمت بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *