عنوان: رد منع الدعاء جماعة عقب الصلاة المفروضة
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرعية الدعاء مع رفع اليدين عقب الصلوات
أنكرت طائفة ما اعتاده المسلمون من الدعاء مع رفع اليدين عقب الصلوات المفروضة، وزعموا أن الدعاء بعد الصلاة بدعة لم تُشرع، مستشهدين بقول ابن القيم (رحمه الله تعالى) في (( زاد المعاد ) (1/136) :” وأما الدعاء بعد السلام في الصلاة مستقبل القبلة فلم يكن ذلك من هَدي النبي (صلى الله عليه وسلم) أصلاً ، ولا رُوي عنه بإسناد صحيح ولا حسن.وخَصّ بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعده ، ولا أرشد إليه أُمته ، وإنما هو استحسان رآه من رآه “أ.هـ .
ويرد بأنه مركب من سنتين؛ يقول العلامة محمد هاشم التًّتَّوي (رحمه الله تعالى) في (( التحفة المرغوبة “ص / ) :” الأمر المركب في السنن المأثورة لا يصح القول بكونه بدعة: أ.هـ والسٌّنَّتان هما :
– الأولى: سنة الدعاء عقب الصلاة. وفيها أحاديث، منها ما رواه البخاري في (( التاريخ )) الكبير “( 3/80:2) عن المغيرة بن شعبة (رضى الله عنه) قال :” كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو في دُبُر صلاته.” الطبراني في (( المعجم الأوسط ( / ) عن أنس (رضي الله عنه): ” كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا سَلّم من الصلاة يقول: اللهم اجعل خير عُمري آخره، وخير عملي خاتمةُ، وخير أيامي يوم ألقاك.” قال الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) (10/110) :” رواه الطبراني في )( الأوسط )) ، وفيه أبو مالك النخعي، وهو ضعيف “أ.هـ. وروى أحمد في (( المسند)) ( / )عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:” إن الله تعالى قال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك.” قال الهيثمي في ((المجمع))(7/176)”رواه أحمد ورجاله ثقات ” أ .ه. وروى الطبراني في (( الصغير )) و (( الأوسط ))عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : (( ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول حين ينصرف : اللهم اغفر خطاياي وذنوبي ،،)) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/111) :” إسناده جيد “أ.هـ . ثم إن دُبُر الصلوات من مظنات إجابة الدعاء، فقد أخرج الترمذي في ((السنن))(5/188) عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قيل: يارسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات. قال الترمذي:” هذا حديث حسن ” أ.هـ. ودبر الصلاة ليس قاصراً على أخر الصلاة قبل السلام ؛ لذا قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله تعالى) في ” الفتح ” ( 11/133) رادا على كلام ابن القيم (رحمه الله تعالى) في “زاد المعاد ” ( 1/136) :” فإن قيل : دُبُر كل صلاة قُرب آخرها وهو التشهد. قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دُبُر كل صلاة ، والمراد به بعد السلام إجماعاً. فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه.”أ.هـ.
ومعلوم أن آداب الدعاء تابعةٌ له ، ومنها رفع اليدين في الدعاء ، يقول الصديق القنوجي (رحمه الله تعالى) في ” نُزل الأبرار” ( ص /36) إن رفع اليدين في الدعاء أي دعاء كاف في وقت كان ، بعد الصلوات الخمس وغيرها : أدب من أحسن الآداب ، دلَّت عليه الأحاديث عموماً ، ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع في الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوماً لجميعهم ، فلم يعتنوا بذكره في هذا الحين “أ.هـ. مع أنه ورد حديث خاص في الرفع لليدين بعد الصلاة، فأخرج ابن السني في ” عمل اليوم والليلة ” ( رقم : 138) بسنده إلى أنس ابن مالك (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : “ما من عبد يبسط كفيه في دبر كل صلاة، ثم يقول: اللهم إله وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب… إلا كان حقاً على الله (عز وجل) أن لا يرد يديه خائبتين.” والحديث إذا كان ضعيفاً لكنه يؤخذ به في الفضائل ، يقول أحمد الغماري (رحمه الله تعالى) في : ” المنح المطلوبة في استحباب رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة ” ( ص /100 – ابوغدة ) : ” الحديث ضعيف لكنه معمول به في هذا الباب و أشباهه وتساهل العلماء في رواية الحديث الضعيف والعمل به في نحو الفضائل متواتر عن السلف، معلوم مشهور لدى الخلف ” أ.هـ
هذا وأحاديث رفع اليدين في الدعاء بلغت مبلغ التواتر كما قاله الحافظ السيوطي في : ” فض الوعاء عن أحاديث رفع اليدين في الدعاء ” قال العلامة محمد الأهدل رحمه الله تعالى في ” سنية رفع اليدين ” ( ص /127 – أبو غدة ) ” الأحاديث تشمل بعمومها رفع اليدين بعد الصلاة جزما، ولا عبرة بخلاف المتنطعين المتزمتين.”أ.ه.
– الثانية : سنة الدعاء جماعة. فعن حبيب بن مسلمه الفهري (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “لا يجمع قوم مسلمون يدعو بعضهم ويُؤمِّن بعضهم إلا استجاب الله تعالى دعاءهم ” رواه الطبراني في ” المعجم الكبير (رقم : 3536) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ” (10/170) : رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.” أ.هـ . ويدخل في ذلك الدعاء جماعة بعد الصلوات الخمسة: قال التَّتَّوي في ” التحفة المرغوبة ” ( ص/39- أبو غده ). أما قول المقتدين – أي: في الدعاء – آمين آمين: سنة الدعاء فثابت بالأحاديث ” أ.هـ
وقال الحافظ ابن الجزري (رحمه الله تعالى) في:” الحصين ( ص / ): “إن من آداب الدعاء تأمين المستمع.” أ.هـ .
والحاصل : شرعية الدعاء مع رفع اليدين عقب الصلوات الخمس، قال الغماري في :”المنح المطلوبة” (ص / 108-أبو غدة): “لم ينكر أحد من العلماء ذلك، بل نصوصهم صريحة في مشروعية الدعاء عقب الصلوات والرفع عنده، وعليه استمر عمل الناس قديماً وحديثاً في مشارق الأرض ومغاربها.” أ.هـ. وهو مقرر عند فقهاء المذاهب الأربعة، كما في : “ البحر الرائق”(1/349) و” مواهب الجليل”( 2/126) والمجموع شرح المهذب”( 3/448) و “تصحيح الفروع”( 1/400) .
ولا يضر ذلك زعمُ عدم نقل فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للدعاء عقب الصلوات مع رفع اليدين فيه؛ لأنه ليس من شرط مشروعية العمل فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له؛ قال العلامة محمد أنور الكشميري (رحمه الله تعالى) في “فيض الباري” (2/431) :” اعلم أن الفضائل والرغائب لا تنحصر فيما ثبت فيه فعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقط، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخص لنفسه أمورا تكون أليق بشأنه وأحرى لمنصبه، وإذا لم يستوعب الفضائل كلها عملاً، رغب فيها قولاً لتعمل بها الأمة… ومن هذا الباب: رفع اليدين بعد الصلوات للدعاء، قل ثبوته فعلا وكثر فضله قولاً – أي: في أحاديث عامة –فلا يكون بدعة أصلاً. فمن ظن أن الفضل فيما ثبت عمله (صلى الله عليه وسلم) به فقط، فقد حاد عن طريق الصواب، وبني أصلاً فاسداً ينبئ بفساد البناء.” أ.هـ المراد .
هذا، والله أعلم.
– تمت بحمد الله –