إبطال المسح على الجورب المعاصر

عنوان: إبطال المسح على الجورب المعاصر

بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)      

 

 

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: 

     فاتفق الفقهاء على جواز المسح على الخفين المصنوعين من جلد بشروط مقرّرة في كتب الفروع- كحاشية ابن عايدين”(1\174) ” وحاشية الدسوقي “(1\141)” و”تحفة المحتاج “(1\251)” و”كشاف القناع”(1\115)” -إلا أنهم اختلفوا في المسح على الجورب المنسوج من صوف وقطن ونحوهما. وحاصله مذهبان:

     – أولهما: جواز المسح على الجورب المجلّد, وبه قال السادة المالكيه, قال خليل رحمه الله تعالى في”المختصر”(1\141- مع حاشيه الدسوقي): “رُخص لرجل وامرأه- وإن مستحاضة – بحضر أو سفر مسح جورب جلد ظاهره وباطنه”أ.هـ.(1) وهو قول عند السادة الحنفيه – كما في:”الهداية”(1\31)- إلا أن المعتمد عندهم _أي: الحنفيه – ماقرره الكاساني رحمه الله تعالى في “بدائع الصانع”( / ) بقوله:”وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بخلاف عند أصحابنا, وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لايجوز المسح عليهما بالأجماع, وإن كانا ثخينتين لايجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز , وروي عن أبي حنيفه أنه رجع إلى قولهما في أخر عمره” ا.هـ..

     -والثاني: جواز المسح على الجورب الصفيق-أي:الثخين-إذا كان يمكن متابعة المشي فيه كالخف. وبه قال السادة الحنابلة, قال الموفق بن قدامه رحمه الله تعالى في:”المغنى”(1\298) :”إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف: أحدهما أن يكون صفيقا لايبدو منه شيء من القدم.الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه”أ.هـ.وكذا في: “كشاف القناع”(1/115) وهو قول عند الحنفيه -كما سبق- وعند الشافعيه , يقول النووي رحمه الله تعالى في”المجموع”(1\499) :”الصحيح من مذهبنا: أن الجورب إن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه -جاز المسح عليه, و إلا فلا” ا.هـ. لكنه قال في”المنهاج”  ( /):”ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء”، وشرحه ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في:”تحفة المحتاج”(1\252) بقوله:”(ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء) بصب على رجليه-أي:نفوذه- وإن كان قويا يمكن تباع المشي عليه…وفي وجه: أن المعتبر – أي:في النفوذ إلى الرجل-ماء المسح لا الغسل, وهو ضعيف نقلا ومدركا, وإن جرى عليه جمع ؛لأن أدنى شيء يمنع ماء المسح, أما منسوج يمنع ماء الغسل, فيجزئ كلبد وخرق مطبقه” ا.هـ

     ثم إن اتباع المشي عند القائلين بمسح الجورب من الحنفيه والشافعيه شرطه ألا يكون بنعل, يقول ابن عابدين رحمه الله تعالي:”الحاشيه(1\175):”تنبيه:المتبادر من كلامهم أن المراد من صلوحه لقطع المسافه أن يصلح لذلك بنفسه من غير لبس المداس فوقه”أ.هـ وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في:”تحفه المحتاج”(1\251):”(يمكن تباع المشي فيه)بلا نعل للحوائج المحتاج إليها غالبا في المدة التي يريد المسح لها, وهي يوم وليله للمقيم ونحو  ثلاث أيام للمسافر” ا.هـ

     وأما المذهب الحنبلي فاشترط لإمكان متابعة المشي في الجورب- العرف؛ ليكون بمنزله الخف, لذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه-كما في:”المغني”(1\300)-:”وإنما مسح القوم-أي:الصحابه-على الجوربين: أنه كان عندهم بمنزله الخف, يقوم مقام الخف في رجل الرجل, يذهب فيه الرجل ويجيئ” أ.هـ. وقال ابن عوض رحمه الله تعالى في: “فتح وهاب المآرب”(1/127) : “الثالث-من الشروط-: إمكان المشي بهما عرفا، أي: في عرف الفقهاء،ولو كان غير معتاد لبسه أو مانعا لنفوذ الماء كحديد وخشب وزجاج لم يصف البشرة ولبد، وأما الذي لم يمكن المشي به لم يصح المسح عليه. صوالحي”أ.هـ.

     وبناء على ما سبق تقريره عن الفقهاء يتبين عدم صحة المسح على الجورب المعاصر, وبه يظهر(خطأ القائلين بجواز المسح على الجوارب المعروفه في زماننا, فمن يفعل ذلك لا يرتفع حدثه, ولا تصح صلاته, وتكون عبادة فاسدة ,وعمله جرأة على الدين, وإبتداعا فيه)(2)

     تنبيه: المسح على الجورب الرقيق غير جائز بالإجماع, قال الكاساني رحمه الله تعالى في:”البدائع”(1\10):”فإن كان-أي: الجوربين-رقيقين يشفان الماء لايجوز المسح عليهما بالإجماع” ا.هـ

     وما حكاه البعض- كالنووي في:”المجموع”(1\500)-من خلاف فمطرح, والمعروف حكايته عن داود الظاهري, وقد قال النووي رحمه الله تعالى في:”المجموع”(2\137):”ومخالفه داود لاتقدح في الإجماع عند الجمهور ” أ.هـ

     تنبيه: تجاسر جماعه على القول بجواز المسح على الجورب المعاصر منابذين في ذلك مقررات الفقهاء, وقد رد عليهم جماعة، وأفرد الشيخ أحمد كامل الخضري رحمه الله تعالى سنه(1345هـ) خمس وأربعين وثلاث مائه وأًلف رسالة في ذلك سماها (“نهايه المأرب في حكم المسح على الجورب)  [نشرته حديثاُ دار الحديث الكتانيه سنه 1433هـ], يقول فيه(ص\22):”اعلم أن المجيزين لم يستندوا في مذهبهم إلى قول واحد ممن يعتد به من العلماء, وذلك لأنه لايوجد من يؤيد دعواهم..فلجأوا إلى الإجتهاد وهم ليسو أهلا له” أ.هـ. ثم قال :”نقلنا اتفاق العلماء على عدم جواز المسح على جورب زماننا الرقيق ونحوه مما لا يقوم مقام الخف, واختلافهم إنما هو في الجورب الذي يقوم مقام الخف ويصلح للمشي عليه في الأسفار ونحوها، فقيل بالمنع مطلقا, وقيل بالجواز إن كان بجلد أو كان مجلدا ,وقيل: ولو كان من غير الجلد متى كان منعلا, وقيل:ولو لم يكن منعلا متى قام مقام الخف” ا.هـ

..هذا والله أعلم.

 

———–

(1) قال ابن عليش في: “منح الجليل”(1/80) : “(ظاهره) أي: أعلاه الذي يلي السماء. (وباطنه) أي: أسفله الذي يلي الأرض” ا.هـ.

(2) اقتباس من قول الشيخ الخضري في: “نهاية المأرب”(ص/23)

 


تمت بحمد الله 

Share this...
Print this page
Print
Email this to someone
email
Share on Facebook
Facebook
Tweet about this on Twitter
Twitter
Share on LinkedIn
Linkedin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *