معرفة الفقهاء بالنقل بين السلف والخلف

قال الحافظ ابن الجوزي -رحمه الله- في “تلبيس إبليس” (ص/137) :

“كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث، فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرون: يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود ونحوها، ثم استهانوا بهذا الأمر أيضاً، وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها، وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا؟!

وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم، لقلة التفاته إلى معرفة النقل، وإنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة، فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه؟ ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يَدْري أصحيح هو أم لا؟

ولقد كانت معرفة هذا تَصْعُب، ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل، والتعب الكثير، حتى تَعْرفَ ذلك، فصُنِّفَت الكتب، وتقررت السنن، وعُرف الصحيح من السقيم، ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث، حتى إِنِّي رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في (الصحاح): لا يجوز أن يكون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: هذا، ورأيته يحتج في مسألة فيقول: دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله قال: كذا، ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول: هذا الحديث لا يُعْرَفُ. وهذا كله جناية على الإسلام”انتهى.

Share this...
Print this page
Print
Email this to someone
email
Share on Facebook
Facebook
Tweet about this on Twitter
Twitter
Share on LinkedIn
Linkedin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *